-A +A
صدقة يحي فاضل
رغم تأكد وجود «مؤامرة « غربية كبرى – إن صح التعبير – ضد العرب والمسلمين (وربما ضد غيرهم) إلا أنه لا يصح (أبداً) رد سوء الوضع العربي وترديه، إلى تلك «المؤامرة» فقط. فهناك – كما سبق ان ذكرنا، فى مقال سابق - ظروف اخرى، ومسببان رئيسان، لما الأمة فيه من ضعف وتخلف وهوان، هما:
- المسبب الذاتي (الداخلي): ويتجسّد في: «سوء الإدارة» (السياسة) في بعض البلاد العربية والاسلامية، وفسادها المعروف، وما يتمخض عن ذلك من نتائج سلبية فادحة، في كل المجالات.

- المسبب الخارجي (الأجنبي): ويتجلى أساساً في: حركة «الاستعمار الجديد»، وما يحيكه من دسائس (ومؤامرات) وخطط مدمرة، ضد هذه الأمة، بالتنسيق مع الحركة «الصهيونية» (جبهة الاعداء الالد) التي دخلت في خط المواجهة العربية – الغربية، منذ حوالى مئة عام.
وتميل مجموعة كبيرة من المفكرين العرب لتحميل «المسبب الذاتي» –وبحق - النسبة الأوفر، والمسؤولية الأكبر، عن الوضع المزري الذي فيه الأمة العربية...... فقد هانت الامة وتخاذلت، ومن يهن، يسهل الهوان عليه. ويكفي تذكر أن نسبة كبيرة من أبناء هذه الأمة تقبل الحيف أو تهادنه لوضع معظم اللوم عليها. ويرد بعض المحللين هذا الانقياد الاعمى الى خلل في النفسية العربية يتجسد – بصفة اخص - في: النظر الى «السلطة» على انها: فقط جزرة او عصا، لا اداة لخدمة الانسان، وتطوير حياته – كما تعتبرها الشعوب النابهة.
ومع ذلك، فإن «المسبب الخارجي» لا يجب التقليل من تأثيره السلبي، ودوره الهدام. كما ان المسببين مترابطان، ومتداخلان، أشد التداخل. وهذه العلاقة الوثيقة بررت القول بأنه: لولا «المسبب الذاتي» ما وجد واستشرى «المسبب الخارجي»... ولولا «المسبب الخارجي» ما كان «المسبب الذاتي» مستتباً ومتمكناً.
وتجمع النسبة الأكبر من مفكري الأمة وعلماء السياسة فيها(كما جاء في بيانات بعض المؤتمرات الفكرية الاخيرة) بأن: «التخبط السياسي» بأشكاله هو نتيجة وسبب اساس – أول – للمأزق المزمن الذي وقعت فيه غالبية الأمة العربية (وليس كلها، بالطبع) منذ قرون... وان عدم إهتمام اغلب متعلمي الأمة، وبعض مثقفيها، بهذه الحقيقة (جهلا وتجاهلا) وعدم فهمهم الصحيح لهذا الداء السياسي الوبيل، وأحجام بعضهم عن مواجهته، وتمسكهم – من حيث يدرون، ولا يدرون- بأمور وتقاليد سلبية... تدمّر حياتهم، هو آفة آفات العرب حتى الوقت الحاضر.
كما ان الاستبداد (بأشكاله) هو باب كثير من الشرور، ومصدر أغلب المظالم والمحن. وأن الهيمنة الخارجية – والمخططات الأجنبية المعادية – غالباً ما تأتي عبر الابواب الفاسدة والطائفية المهترئة... لاستقبال السيطرة الأجنبية المعادية، وتسهيل هيمنتها... طمعاً في تأييدها ودعمها الخفي والمعلن. وعبر هذه «البوابات» العديدة يدخل الإذلال والاستغلال (من شتى الجهات) ويستتب الظلم... وكل كبائر المصائب والرزايا والأهوال. ويندر أن يكون الاستبداد بالراي مناسباً، أو به نفع، إلا في حالات استثنائية قليلة، مرحلية وعابرة. هذا أمر يؤكده «علم السياسة» الحديث، بمنتهى الوضوح.
لاشك، اذاً، إلا لدى قلة قليلة مُشككة في هذا الامر، أن هناك «خطة» غربية كبرى، أو سياسة سلبية غربية، تجاه العالمين العربي والإسلامي – باعتبارهما من العالم النامي الجنوبي، وحسابهما على دين... معاد للغرب وقيمه – كما يعتقدون في الغرب، على الأقل. إن هذه الخطة (السياسة) هي عبارة عن: «أهداف» يسعى الغرب، بقواه الكبرى، لتحقيقها في الوطن العربي، و«وسائل»... تستخدم لتحقيق هذه الأهداف. وكثير مما تتلقاه الأمة من ضربات وصفعات يومية مُدبّر – غربيا - ومتفق عليه مسبقا. وأغلب فعل وردود فعل القوى الغربية الكبرى تنطلق- كما يبدو - من تخطيط مُعدّ، وكيد مُبيت، مُبطن وسافر. والادلة على ذلك اكثر من ان تحصى... فهي تترى يوميا تقريبا. وسنذكر لاحقا بعض الامثلة فقط من تلك الدلائل، لمن ما زالوا يُشككون في هذه الحقائق.
إنهم يعتبرون «الإسلام»، كما سبق ان اشرنا أكبر تهديد لدينهم (المسيحي) ولقيمهم الأساسية. وقد قدم المتطرفون «الإسلاميون»، والمغامرون، للغرب «ذرائع»... لشن حروبه المدمرة المعروفة، واخرها ما يسميه بـ «الحرب على الإرهاب»... وبالغ متطرفو الغرب (والصهاينة) في الاختلافات، وصبوا الزيت على النار، وأشعلوا كثيرا من الحرائق، دون مبررات منطقية.
وفي المنطقة العربية إمكانات وموارد، يسيل لها لعاب كل «المستعمرين» وأولها: الثروة النفطية الهائلة والموقع. وتتلخص الأهداف الغربية (والانجلو – سكسونية بخاصة) في: محاولة استغلال المنطقة العربية، وإخضاعها لنفوذ الغرب الدائم. وعبر وسيلة «الهيمنة السياسية» والتمزيق والانهاك، يتم هذا الاستغلال، ويتم ضمان هيمنة ورفاه إسرائيل، وتسيير الأمور في العالم العربي على النحو الذي يُذلل إمكاناته للغرب وللصهاينة.
تلك هي «خطة راسخة» (Master Plan) و«سياسة» معروفة ثابتةالأسس... وإن كانت تفاصيلها تختلف من وقت لآخر... وهناك -على سبيل المثال- ملفات سرية حكومية أمريكية، يتم الكشف عنها تباعاً... وتتضمن هذه الخطة واغلب تفاصيلها. وهناك ملف سري شهير، خاص بالعالم العربي، يتم تقديمه – من قبل هيئة الاستخبارات الأمريكية – للمسؤولين الأمريكيين الرئيسين، عقب كل انتخابات... ويحتوي على «الخطوط العريضة» العامة، التي يجب على السياسة الأمريكية تجاه المنطقة الالتزام بها. وهناك تصميم أمريكي وغربي صلب على: إنفاذ هذه السياسة... مهما كانت العوائق... ففي رأيهم، أن «المصلحة الغربية» العليا تقتضي العمل الدؤوب على إنجاح وتمرير هذه السياسة، واستمرارها. وبعض ساستهم يعتبرونها «مسألة حياة او موت». وقد ضاعف سوء فهم الغرب – بصفة عامة – لحقيقة الاسلام وجوهره، ورعونة وغباء بعض العرب، من ذلك الزعر والقلق الغربي من العرب والمسلمين. واسهمت الصهيونية، ولاشك، في تعميق هذه المشاعر العدائية وترسيخها.
تلك حقيقة أصبحت واضحة للمراقبين المعنيين، إن لم نقل للرجل العادي المتابع لمجريات الاحداث، في هذا العالم... والغريب ان يظهر من العرب من ينكرها ويُسفه من يتحدث عنها ويؤمن بوجودها، ويشير الى شواهدها ومؤشراتها. وعلى النقيض الآخر، كثيرا ما نجد عربا (ومسلمين) يردون كل بلية الى «المؤامرة» الغربية اياها ؟! ان الفريق الاول يبالغ في انكارالمؤامرة / الخطة، بينما الفريق الثاني يُبالغ في مسألة مدى تغلغلها.
والواقع ان الانكار لم يعد مقبولا، خاصة بعد كل ما جرى ويجري في المنطقة منذ العام 1945م... لدرجة ان المُنكر كثيرا ما يعتبر – من حيث يدري او لا يدري – موافقا عليها. وللمبالغة نفس التأثير – تقريبا. اذ ان المبالغة ترد كل النوازل الى هذه المؤامرة... ؟! متجاهلة المسبب الذاتي الخطير. الامر الذي يقلل من مصداقية وجود المؤامرة، ويصرف النظر عن الدمار والاذى الذي تسببه... ويعطي منكريها (امام الجهلاء والغوغاء) «حجة» – واهية – اضافية (سرعان ما يتلقفها الاعلام الاسود، ليبرزها على ما عداها) ويُوفر فرصة للسخرية (بدون وجه حق) ممن يشعرون بوجود تلك النوايا، ويقلقون من هذا الابتلاء، او الشر المستطير.
والشاهد، ان ما ذكر هنا يجب ان يُعمق الرغبة لدى الخيرين والعقلاء، في الجانبين (الغربي والعربي) بضرورة التحاور الايجابي، المؤدي لتصفية هذا العداء (او تخفيف حدته، على الاقل) لما في ذلك من مصلحة للطرفين.... والمسارعة في العمل بهدف: الوصول الى تفاهم (قائم على احترام ثوابت كل طرف) يقود الى: التعايش ورفع المظالم..... (وبالتالي اخماد نيران الاختلاف والخلاف، عبر تقليص وتضييق الفجوة الحالية «الهائلة» بين الجانبين) في اطار ايمان مشترك بمبادئ الحرية والعدالة والمساواة، وخدمة المصالح والقيم المشتركة.... كي يسود السلام الحقيقي بين الحضارتين، ويتدعم، بالتالي، امن وسلام العالم، وينتهي هذا التوتر الحاد (الخفي والمعلن) في العلاقات بين هذين الطرفين المهمين على كوكب الارض، رغم عدم تكافؤهما في ميزان «القوة» الدولية، في الوقت الحاضر.